أكد وزير الصحة المكلف بولاية الجزيرة، د. أسامة عبدالرحمن الفكي، أن حجم الدمار الذي طال البنية التحتية الصحية فاق كل التوقعات. وأوضح أن الوزارة وضعت سيناريوهات مختلفة قبل تحرير المدينة، لكن الواقع كان أشد قسوة مما كان متوقعًا. وقال: “الصحة لا تنتظر، لذا اعتمدنا على خطط سريعة لضمان استمرار تقديم الخدمات العاجلة رغم التحديات”.
تشغيل 37 مركزًا صحيًا.. ونقص الكوادر أبرز العقبات
بعد تحرير مدينة ود مدني، بدأت فرق وزارة الصحة تقييم الوضع وإعادة تشغيل المراكز الصحية، حيث تمكنت من تشغيل 37 مركزًا بنسبة 80%. ومع ذلك، شكل نقص الكوادر الطبية تحديًا كبيرًا، حيث تعرض الأطباء والممرضون للاستهداف المباشر من قبل المليشيات، ما أدى إلى استشهاد عدد كبير منهم، في حين أجبر آخرون على النزوح داخل السودان أو خارجه.
مبادرات شعبية ودولية لدعم الخدمات الطبية
لمواجهة نقص الكوادر والموارد، نظمت الوزارة بالتعاون مع منظمات محلية ودولية أيامًا علاجية مجانية. وشملت هذه المبادرات دعمًا من جمعية تنظيم الأسرة وصندوق الإعانة الكويتي، بالإضافة إلى مساهمات من مبادرة “سابا” للأطباء السودانيين في أمريكا، التي قدمت أكثر من 5000 معالجة في مستشفى الكلى. كما أسهمت جهود المجتمع المحلي في تحسين بيئة المستشفيات من خلال مبادرات النظافة وإعادة التأهيل.
حلول مبتكرة لمشكلة الكهرباء.. والطاقة الشمسية بديل مكلف
تعاني المرافق الصحية من صعوبات تشغيلية بسبب الدمار الذي طال البنية التحتية، لا سيما الكهرباء. وأوضح د. الفكي أن الطاقة الشمسية باتت حلًا عمليًا لتشغيل المراكز الصحية الصغيرة، لكنه أشار إلى ارتفاع تكلفتها بالنسبة للمستشفيات الكبيرة. وتركز الوزارة حاليًا على تأمين الطاقة للأقسام الحيوية مثل غرف العمليات والعناية المكثفة لضمان استمرارية الخدمات الأساسية.
سرقة الأجهزة الطبية.. عقبة تعرقل الإعمار
كشف د. الفكي عن تعرض القطاع الصحي لسرقات واسعة، شملت أجهزة العناية المكثفة، وأجهزة الأشعة التشخيصية مثل الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية، بالإضافة إلى سرقة الأدوية والمستلزمات الطبية من الصيدليات. ولم تقتصر السرقات على المعدات الطبية، بل امتدت إلى الحواسيب الإدارية، مما زاد من تعقيد عمليات إعادة التشغيل.
مخاطر بيئية وصحية تتطلب استجابة سريعة
مع عودة الحياة تدريجيًا، برزت تحديات جديدة في مجال صحة البيئة، لا سيما في إدارة النفايات ومكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل، مثل الملاريا وحمى الضنك. وأشار د. الفكي إلى أن النزوح الواسع للسكان أثّر سلبًا على حملات مكافحة الحشرات، مؤكدًا الحاجة إلى دعم إضافي لتحقيق تغطية شاملة.
رؤية مستقبلية.. والهدف تشغيل المراكز الصحية بالكامل
رغم المصاعب، تسير جهود إعادة الإعمار بوتيرة متسارعة بفضل التعاون بين الحكومة، المنظمات الإنسانية، والمجتمع المحلي. وأعرب د. الفكي عن تفاؤله بتحسن الوضع الصحي بحلول شهر رمضان، مشيرًا إلى أن الأولوية حاليًا هي تشغيل أقسام الطوارئ في المستشفيات، بهدف الوصول إلى تشغيل كامل للمراكز الصحية في أقرب وقت ممكن.
التأمين الصحي والإمدادات الطبية.. ركيزتا إعادة الخدمات
أكد د. الفكي أهمية دور التأمين الصحي في دعم جهود الإعمار، مشيدًا بالإمدادات الطبية الاتحادية التي وفرت المستلزمات الطبية بشكل منتظم خلال الفترة الماضية. وأضاف أن الوزارة وزعت كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الطبية على أكثر من 300 مركز صحي في مختلف القرى والمحليات.
الهلال الأحمر والدفاع المدني.. دعم حيوي لاستعادة الخدمات
أشاد د. الفكي بدور الهلال الأحمر في تقديم المساعدات الطبية، متطلعًا إلى دور أكبر في الفترة القادمة، خاصة في مجال المبادرات الصحية. كما ثمّن جهود الدفاع المدني في تعقيم المؤسسات الصحية، ودفن الجثامين، وتعقيم الطرق، مشيرًا إلى أهمية استمرار هذه الشراكات في دعم عملية إعادة البناء.
الدعم الحكومي والجهد الشعبي.. مفتاح النجاح
أوضح د. الفكي أن والي ولاية الجزيرة يتابع جهود إعادة الإعمار بشكل مباشر، حيث اعتمد خطة الوزارة وقدم لها الدعم اللازم. كما ثمن جهود أمين عام الحكومة ووزير المالية الولائي والاتحادي، مؤكدًا أن مساهمة المجتمع المحلي كانت الأساس في إنجاز العديد من الأعمال.
نداء عاجل للدعم والمساعدات الإنسانية
وجه د. الفكي نداءً عاجلًا للجهات الإنسانية والمنظمات الدولية لتقديم مزيد من الدعم للقطاع الصحي، مشددًا على أن استعادة الخدمات الصحية بشكل كامل تتطلب دعمًا إضافيًا.
من بين الأنقاض.. تنهض الحياة من جديد
رغم حجم الدمار الذي لحق بالقطاع الصحي في ولاية الجزيرة، فإن إرادة الحياة أقوى من الخراب. بدأت المستشفيات تستعيد نشاطها، وعادت بعض الكوادر الطبية رغم المخاطر، فيما تسهم المبادرات الشعبية والدولية في سد الفجوات.
التحديات لا تزال كبيرة، لكن الأمل يتجدد مع كل خطوة نحو الإعمار. ولاية الجزيرة تنهض من تحت الركام، والصحة تقف في قلب هذه المعركة المصيرية. ورغم صعوبة الطريق، فإن هذه المعركة تستحق أن تُخاض، لأنها معركة من أجل الحياة نفسها.